أصبح استخدام الفيديوهات التعليمية داخل الغرف الصفية في يومنا هذا مختلفًا عما كان عليه في الماضي. فبينما كان استخدامها نوعًا من الرفاهية، كان المعلّمون يَجرُّون عربة متنقلة تحمل جهاز عرض الأفلام إلى داخل الغرفة الصفية ويقومون بتشغيل فيديو تتجاوز مدته الساعة أو الساعتين من دون أي تفاعل يذكر من قبل الطلاب. وهذا ما يمكن أن نسميه اليوم الإستهلاك السلبي للمحتوى والذي غالبًا لايؤدي الغرض التعليمي المرجوّ.
أما اليوم فقد أصبح استخدام الفيديوهات التعليمية القصيرة بشكل عام يتم بصورة منتظمة وكجزء أساسي من الدروس اليومية التي يقدمها المعلمون. وبدلاً من الإستهلاك السلبي لمحتوى الفيديوهات التعليمية، فقد أصبح الطلاب في أيامنا هذه أكثر تفاعلًا بفضل النشاطات والنقاشات التي يطرحها المعلمون حول هذه الفيديوهات، وبالتالي لم يعد استخدام هذه الفيديوهات من المكمّلات التعليمية الإضافية والتي تُستخدم في مناسبات محددة فقط، بل أصبح عنصرًا أساسيًا لنجاح الحصة الدراسية، وقد أظهرت دراسة حديثة صدرت مؤخرًا أن منصات عرض الفيديوهات هي الأداة الرقمية الأولى المستخدمة حاليًا داخل الفصول الدراسية.(Common Sense Media,2019)
مثلُ أي تغيّر وتطور في مجال التعليم، فإن التغير في توجهات وسلوكيات المعلميين لا يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها ولا يمكن أن يُختزل في سبب واحد بعينه. فعند النظر الى استخدام الفيديوهات التعليمية داخل الفصول الدراسية بشكل عام سنجد ثلاثة عوامل أساسية توضّح الإنتشار الواسع لها وهي: العامل التقني والعامل الإجتماعي والعامل التربوي.
كيف يستخدم المعلمون الفيديوهات التعليمية داخل الفصول الدراسية؟ ابحث عن المعلومات الموجودة في هذا التقرير.
لقد سهّلت التكنولوجيا ومن خلال زيادة فرص اتصال المعلمين والطلاب على حدٍ سواء بشبكة الإنترنت – عملية استخدام الفيديوهات داخل الفصول الدراسية. ففي عام 2013 أكّدت 25% فقط من المدارس كفاءة الإتصال اللاسلكي بالإنترنت داخل غرفها الصفية، وازداد هذا الرقم في عام 2017 ليصل إلى 88%، بينما يتوفّر ل 94% من المدارس الحد الأدنى من الإتصال بالإنترنت (المصدر). ومع تزايد عرض نطاق الإتصال وارتفاع سرعة معدل نقل البيانات عبر شبكة الإنترنت، فقد أصبح من السهل على المعلمين الوصول الى فيديوهات تعليمية عالية الجودة وبشكل سريع دون التأثير على وقت وانسيابية الحصة الدراسية.
وقد أتاح انخفاض أسعار الأجهزة الإلكترونية فرصة زيادة عدد الحواسيب والأجهزة اللوحية داخل الغرف الصفية، مما سهّل وصول أعداد أكبر من الطلاب إلى مواد التعلُّم الرقمية مثل الفيديوهات، والذي أدى إلى زيادة تفاعل الطلاب سواءً على الصعيد الفردي، او بشكل مجموعات. حيث وفّر تعدد الأجهزة الرقمية داخل الغرفة الصفية للمعلم فرصة تعيين مقاطع فيديو مختلفة للطلاب بما يتوافق مع احتياجاتهم التعليمية الفردية ويسهل تعاونهم فيما بينهم، ويوفر لهم أيضًا فرصة التفاعل مع محتوى هذه المقاطع حسب إمكانية وسرعة استجابة كل منهم.
تلعب التكنولوجيا دورًا مهمًّا خارج النطاق التقليدي للبيئة الصفية، وحيث لجأت معظم المدارس الى عملية التعليم عن بعد استجابةً للظروف الطارئة بسبب فيروس كورونا، فقد ساعدت التكنولوجيا على استمرارية عملية التعلم حتى من داخل المنزل.
يُعتبر الفيديو طريقة فاعلة للمحافظة على اندماج الطلاب في العملية التعليمية خاصة خلال مواجهتهم التحديات ومشتتات الانتباه المرتبطة في عملية التعلّم عن بعد. وتُستخدم الفيديوهات التعليمية لعرض مفاهيم جديدة ومراجعة المهارات المكتسبة وحتى تطوير مهارات الكتابة.
إقرأ المقالة: 6 طرق لتضمين الفيديو في التعليم الإفتراضي
يسعى المعلمون للتواصل مع الطلاب أينما كانوا. وفي هذه الأيام فإن الطلاب منغمسين وبعمق في عالم وسائل الإعلام الرقمية. حيث يقضي من هم بين عمر 8-18 عاماً معدل 6-9 ساعات يومياً في متابعة الفيديوهات، بينما يُفضل أكثر من نصف جيل الألفية الجديدة التعلم عن طريق الفيديوهات (مصدر). وللحفاظ على انتباه الطلاب وتركيزهم، يدرك المعلمون أن عليهم اللجوء إلى التقنيات التفاعلية المألوفة والتي يستخدمها الطلاب بشكل يومي (مصدر). وقد ثبت ومن خلال متابعة تطبيقات الفيديوهات المختلفة مثل يوتيوب، التك توك و سناب شات أن الطلاب يفضلون الفيديوهات القصيرة والفعّالة.
منذ أن بدأت التكنولوجيا بلعب دور مهم في التعليم لم تتغير فقط اهتمامات الطلاب، بل ازدادت أيضا ثقة المعلمين بأهمية استخدام التكنولوجيا داخل الغرف الصفية. وبما أن معظم المعلمين الشباب هم أنفسهم قد عاشوا في عصر منصات الفيديوهات واعتمدها ذوو الخبرة منهم مبكراً في مدارسهم، و كنتيجة لأثرها الايجابي في التعليم ودمج الطلبة، فإن 55% من المعلمين يعتقدون أن هذه الفيديوهات تساعدهم ليكونوا أكثر إبتكاراً، ويقول 62% منهم أن استخدام الفيديوهات تجعل أساليبهم التعليمية أكثر فاعلية (مصدر).
اقرا المقالة: طرق أثبتت فاعليتها في تحسين تعلّم الطلبة من خلال الفيديوهات التعليمية.
العامل التربوي
ماذا يعني أن تكون أكثر فاعلية داخل الغرفة الصفية؟ هناك أربع فوائد تربوية أساسية ناتجة من استخدام الفيديوهات التعليمية ضمن الدروس: سهولة مراعاة الفوارق الفردية، وتعزيز الوعي العالمي، وتنمية مهارات العمل التنافسي، إضافة الى تطوير مهارات التفكير الناقد وحل المشكلات (المصدر).
فبالإضافة إلى إتاحة الفرصة للطلاب للتعلم كل حسب قدراته كما ذكر سابقًا، تتيح الفيديوهات التعليمية للمعلم فرصة مراعاة الفوارق الفردية بين الطلاب من خلال عدة طرق، فبوجود مجموعه كبيرة ومتنوعة من الفيديوهات التعليمية، يستطيع المعلمون اختيار النماذج الأكثر فاعلية لطلابهم. فعلى سبيل المثال، بينما يحتاج بعض الطلاب الى استيعاب مفهوم علمي بشكل أفضل من خلال فيديو توضيحي، يمكن أن يستفيد آخرون من مشاهدة تطبيق عملي لهذا المفهوم من خلال تجربة عملية مصورة. وأيضًا يساعد وجود النصوص والترجمات الطلاب الذين يعانون من صعوبات سمعية أو أولئك الذين يفضلون قراءة النصوص.
اقرا المقالة: دليل اختيارالمعلمين للفيديوهات المناسبة لمراعاة الفوارق الفردية في العملية التعليمية
بالإضافة إلى ما ذكر، يستطيع المعلمون استخدام وتفعيل الفيديوهات التعليمية داخل الغرفة الصفيه التقليدية كجزء من استراتيجية الصف المقلوب وبيئة التعلم المدمج، وتسهل الفيديوهات أيضًا عملية التعلم عن بعد من خلال تمكين المعلمين من التواصل مع طلابهم حول العالم. حيث يميل الطلبة الذين يمكنهم استخدام منصات الفيديو الى تذكر المفاهيم المُكتسبة والاحتفاظ بها لوقت أطول مقارنة بتقنيات التعليم الأخرى.
قد يصعب تعزيز الوعي العالمي خصوصاً في مدارس المناطق النائية أو الأقل حظّا. ولكن ومن خلال الفيديوهات التعليمية يستطيع المعلمون تقديم ثقافات عالمية ووجهات نظر مختلفة للطلاب دون الحاجة إلى مغادرة الغرفة الصفية. حيث يمكن أن تَنقل الفيديوهات الطلبة إلى أماكن يصعب عليهم زيارتها على أرض الواقع وتسمح لهم أيضًا بخوض تجارب مختلفة كحضور مؤتمر للأمم المتحدة، أو زيارة قبيلة في غابات الأمازون المطرية، أو الإستماع لقصص الناجيين من الكوارث. بالتأكيد إن كل قصة لها وجهان، ويمكن لعرض التقارير الإخبارية من أكثر من مصدر أو تحليلات للأحداث التاريخية من مؤرخين مختلفين أن تساعد في تنمية مهارات التفكير الناقد لدى الطلاب والتي تعتبر ضرورية لتقدمهم العلمي.
وبالنظر إلى المستقبل، يُعد الإلمام بأدوات الإعلام الرقمية أمرًا مهمًا لتطوير المهارات اللازمة لتهيئة الطلاب لسوق العمل. حيث أن الإستخدام المتكرر لهذه الأدوات من قبل المتعلمين يُزيل الغموض عنها مما يزيد من ثقتهم في ابتكار سياقات جديدة لاستخدامها (المصدر). تُستخدم التكنولوجيا في أيامنا هذه، بالإضافة إلى الفيديوهات، في مجالاتٍ عديدةٍ كوسيلةٍ للتواصل والتشارك، وهذا يعني أن زيادة القدرة على التعامل معها بثقة أصبح مهارة ضرورية حتى لمرحلة ما بعد التعليم.
لا يمكن تجاهل العوامل الإجتماعية والتقنية والتربوية في استخدام الفيديوهات التعليمية داخل الغرف الصفية. إذ أن معرفة المعلمين والطلبة وإلمامهم بالتكنولوجيا الحديثة يجعل من الضروري التوفيق بين كفاءة الطلاب التكنولوجية وأدوات وأنماط التعلم التي تناسبهم.
ومع تزايد فرص الوصول للإنترنت والفيديوهات التعليمية التي أصبحت وسيلة تعلم وتواصل أساسية لمجتمع المتعلمين على المستوى العالمي، فإن المعلمين الذين يستخدمون الفيديوهات هم على المسار الصحيح لتطوير معايير وأساليب التعليم الصحيحة.